أمن الشّجر جئتَ أم من صدفٍ بعيدٍ جرفته المياه؟
أظنّني مستعدّةٌ لخاطرٍ وقصّة:
تبًّا لجهاز الحاسوب ما أبطأه تكاد الفكرة الّتي قفزت من رأسي تغرق في المحيط الازرق إذّاك بعيدًا عن مجاهل غاباتي الخضراء..بين الأزرق والاخضر معاهدة قديمة مخبّأة في حجر الفيروز النّادر، سأعود إليه بعد قليل…المهمّ أنّي التقطتُ من جديدٍ حرفًا آخر من حروفي المبعثرة عبر الزّمن فيا ويلي منها! ماذا ستكشف الآن؟
هل سيستغرق الصّيد وقتًا أطول أم أقلّ هذه المرّة؟
أمِن لؤلؤٍ مكنونٍ بين البحر والغاب أم هو الفيروز فحسب ؟
لقد وقعت حبّتي فيروزٍ من مقلتيْك أيّها المهاجر كالسّنونو وأنت لا تدري… أمّا اللّؤلؤ الأبيض فقد جرفته الأمواج البليغة نحو القلب فصفا بشدّة، لقد صفا ونقى حتّى غدا مرآة كلّ باحثٍ عن وجه الحقّ، حتّى صارَ سفينة كلّ بحّار يأبى القعود في مدينة واحدة…
ما هذا الكلام الغريب المشفّر بألف قفلٍ وباب! تصفّق النّوافذ بفرحٍ من هبوب ريحِ البحر وما زالتا هناك تانك الفيروزتان تحدّقان بمحبّة وطفولة، تحرسان الموج الهادر، تعدّان حبّات الرّمالِ بهدوءٍ كشهيق المتأمّل، ترقبانِ عودة القمر لصفحة الماء بارتياحٍ كزفير المتأمّل…
لو لم تكن موجودًا يا حارس الفيروز واللّلالئ ما كان سيحصل للغاب والمحيط؟
أمن الشّجر جئتَ أم من صدفٍ بعيدٍ جرفته المياه؟
هيّا أخبرني… أم أنّك أقسمتَ الصّمتَ ما دارت الأرض حول كوكبها؟
لقد عثرت صنّارتي على خاتمٍ ربّما يعود لك… فهو أزرق
لقد عثرت صنّارتي على شالٍ ربّما يعود لك…فهو أخضر
ألست مَنْ جئت، من الغاب جئت؟
ألست مَنْ جئت، من المحيط جئت؟
يُحكى أنّ متأمّلًا عاش في جزيرةٍ نائيةٍ، برفقةِ السّحابِ،برفقةِ أسماكِ القرشِ العملاقةِ، برفقةِ الرّيح والتّراب…
عاش أعوامًا مديدةً وهو يحاكيها، تسلّيه ويسلّيها، ظنًّا منه أنّها مطلق السّعادة تلك الوحدة العظيمة الّتي كان يحيا فيها.
حتّى حان يومٌ من أيّامِ الرّبيع،وبينما كان المتأمّل يسير في الغابِ، لفتته زهرةٌ لم يرَ بجمالها من قبل، شعر بميلٍ غريبٍ نحوها، وكأنّ تلك الزّهرة البيضاء المتهادية على غصنها كملاكٍ أحسّت بمحبّته الدّافئة فاهتزّت بسعادةٍ لم تزرها منذ أزمان… وطال اللّقاءُ القصير حتّى بدا كأنّه الدّهر!
تابع الرّجل مسيره،دون أن يلتفتَ للخلف،لا داعٍ لذلك، فقد امتلأ فؤاده برحيقِ زهرة “كادابول”… ربّما سيصبحان صديقيْن. وتعجّبَ المتأمّل من سرعة هذا الخاطر الّذي دهاه…لقد اعتاد مرافقة الرّياح والتّراب والسّحاب أمّا الزّهور فقد كانت بالنّسبة إليه كائنات ضعيفة رقيقة لا جدوى من صحبتها، لا وقت لديه يصرفه في حديث عابرٍ مع وردةٍ بريّة، أو فراشة نديّة، أو بلبلٍ شغوف بالتّغريد، فهو المريد الّذي يجوب كلّ العوالم بحثًا عن الأسرار الكبار، لن تعطّل رحلته أيّة محادثات ساذجة، أو جمالٍ فانٍ ستذوي ألوانه مع الزّمان…
كادابول…كادابول..” من أنتِ حتّى سكنتِ فكري المتوهّج؟ من أنتٍ حتّى سكنتِ روحي الطّليقة؟ لو كنتِ سجنًا ما شغف جناحاي نحوك سفرا! لو كنتِ مجرّد بتلاتٍ بيضاء لما شممتُ كلّ هذا الأريج الأخّاذ!
سمعت الأمواجُ مناجاة المتأمّل وهو يسير قربها، على الشّاطئ، يقلّبه الهوى ذات اليمين وذات الشّمال،
فيعلو حتّى لا تكاد رجلاه تلامسان حبّات الرّمل الدّافئ، ثمّ يهبط عندما تمتزج رائحة البحر بعبق كادابول الماثل في حواسه، فقالت له الأمواج:” هنيئا…هنيئا ..أيّها السّائحُ فقد وجدك فؤادك أخيرا”
– بم تهذين يا عزيزتي؟ فإنّ فؤادي كما تعلمين قد بذلته لمحيطك منذ أزمان، يتقاسمه والرّيح والتّراب وكلّ كائن يحيا معنا يا عزيزتي فوق هذي الجزيرة الّتي لا إنس فيها غيري.
– أيّها السّائح لقد وجدك فؤادك …تكرّر
– رمق المتأمّل الأمواج بغضب يشوبه الشّكّ وعاد أدراجه تلك اللّيلة إلى كوخٍ يسكنه، قريب من كادابول… كادابول تعيش الآن في شرايين أفكاره وتحتلّها .. هيّا اعترف بذلك .. يحدّث نفسه:
كيف يمكن لمن احتوى الكون أن تحويه زهرة؟ ولمن انعتق من أسر الجسد أن يكبّله مجرّد عطر؟
– إنّه الحبّ يا صديقي- قالت الرّيح- إنّه الحبّ!
– من أنتِ يا كادابول؟
– تورّدت الزهرة رغم بياضها من الوله وقالت: أنا أميرة الغابات والبحار كنت ذات دهر أحيا هنا مثلك، تركت النّاس والمدن والبلاد،قصدت هذه الجزيرة لأتعبّد فقط بعيدا عن كلّ البشر… لكنّني لم أحتمل غربتي،ولم أرغب بالعودة لدياري حيث الغربة أعظم بكثير…
– ترقرقرت دمعة من عينيّ المتأمّل، فصمتت كادابول لبرهة.
– أتمنّى ألا يكون حديثي قد آلمك، آسفة.
– تابعي.. كادابول … تابعي… فهذا الألم ليس وليد كلامك، بل وليد روحي،تلك الرّوح الّتي عصرتها الوحدة المرّة فلم تعد تحتمل..-يهمس- لا تخبري ذلك لأحدٍ، فهذا سرّ أبوح به لأوّل مرّة.
– لا تقلق.. أتشعر بتحسّن الآن؟
– كثيرا…أخبريني ، هل عدت لديارك يومها؟ ماذا حصل أيّتها الأميرة؟ أم تفضّلين أن أناديكِ زهرة؟ أم كادابول؟ أيّ الأسماء تفضّلين؟
– لا يهمّ… فأنا .. أنا … مهما اختلفت التّسميات…
المتأمّل يبكي من جديد، وكادابول تنظر إليه بحنوّ الأمّ وإشفاق الحبيب.
– ما أتعسني! وقد ظننتك مجرّد زهرة وما أرقّ الأزهار عن امتلاك الأسرار، هذا ما ظنّه عقلي المحدود وبصيرتي المظلمة بتلك العهود الواهية الّتي أقسمتها… كيف استطعت أن أحيا كلّ تلك السّنون بلا حبّ؟ أعترف لك يا كادابول …أنا أحبّك بل أعشقك بجنون..آه عذرا…
– لا تعتذر، فالحبّ أروع شعور! إنّه إكسير الخلود الّذي يبحث عنه كلّ رحّالة يجوب بلاد الحقائق، وأنا التّعيسة الحظّ الّتي لم تعثر عليه إلا بعد فوات الأوان… نعم… لقد أحببتك أيضا منذ الوهلة الأولى ففي عينيك سرّ رهيب، وفي هالتك إشراقةٌ أثيريّة! ولكن ما الجدوى الآن؟ فقد أصبحت مجرّد زهرة بعد أن رفضت العودة لبلادي وقد طوتني الطّبيعة بتأمّلاتها البعيدة وكان عليّ أن أجد الحبّ قبل أن أتحوّل إلى ما أنا عليه.
أمّا أنت وقد نلت هذا الشّرف، وقد هبّت نسائم العشق فيك فقد كتبت المشيئة لك أن تبقى بشرًا ولن تتحوّل لصدفةٍ كما كان مكتوبًا!
-ماذا تقولين؟
-هذه هي الحقيقة.
وما إن تفوّهت كادابول بهذه الكلمات حتّى عادت أميرةً حسناء،بثوبها الحريريّ الّذي كان يغطّي جسدها النّحيل في آخر مرّة كانت فيها إنسانة على وجه هذه البسيطة.
– صرخ المتأمّل: يا الهي! تعالي كادابول ، هلّمّي إليّ نزيّن خضرة هذا الغاب بأزهار حبّنا السّاحر…
– سأسمّيك أرجوان فهل تقبل؟
– بالطّبع يا أميرتي!
لم يك صيدي مجرّد خاطرٍ، لقد عثرت في مخيّلتي للتوّ على قصّة من نسج خيالات أميرات الغاب وأمراء المحيطات.
تراه الفيروز مصدر إلهامي؟ أم اللّؤلؤ القابع في أعمق أعماقي؟ أم كلاهما؟ ربّما …
سأطفأ حاسوبي عساني ألتقطُ أنفاسًا جديدةً بنكهة الحبّ الخالد الّذي أعاد كادابول إلى حياتها وفكّ سحرها المؤبّد، الحبّ الّذي جعل المتأمّل حيًّا بعد أن أماتته عهوده القديمة القاسية.
إلى اللّقاء في صيدٍ آخر.
فيديوهات مساحة وعي المرتبطة بالتأمّل وفوائده مصدر إلهام وشعاعٍ لكلّ باحثٍ ومسافر، لكلّ رحّالة في هذا الكون قرّر أن يغوص في محيطاته العميقة ليصيد الكنوز المخبّئة بعناية، المحروسة بفطرة وقدرة الخالق.
إنّها لإلهام للشّعراء والكتّاب كما للقرّاء الّذين يجيدون عبر التّأمّل فكّ أسرار اللّغة والوجود برمّته.
فيديوهات من مساحة-وعي مرتبطة:
معلومات مفيدة حقيقيّة عن زهرة الكادابول النّادرة:
زهــــرة الكادابـــول ملكــــة الليــــل
ليـــس لهــا مثيـــل في العالـــم كلــــه
تزهر عادة في فصل الخريف ذات منظر ورائحة فريدين تزهر ليلا وتبدأ في الذبول وقبل موعد الشفق
تتمتع زهرة الكادابول برائحة فريدة ومهدئة ، اكتشفت في غابات سريلانكا، وهي ذات أهمية ودلالة للبوذيين ، وأوراقها لا تتفتح إلا ليلاً وتذوي قبل طلوع الفجر ،وتعيش لساعات معدودة قليلة ، وهي من أغلى أنواع الزهور في العالم ولايتجاوز عمر هذه الزهرة بضع ساعات .
لا تقدر زهرتنا هذه، ذات الرائحة الفريدة، بثمن، وليس لها نظير في العالم أجمع وفي واقع الأمر، ليس بوسعنا أن نضع لها سعراً محدداً ! قصير هو عمر هذه الزهرة وخلافاً لأنواع الزهور الأخرى التي يمكنك شراؤها بسهولة من محال بيع الزهور.
توجد أيضا في اليابان ويطلق عليها أسم ” الجمال تحت القمر وهي موجودة في فلسطين في معظم المدن ، واسمها في الإنجليزية
لا يهم… فأنا أنا مهما اختلفت التّسميات
ماذا حصل أيّتها الأميرة؟ أم تفضّلين أن أناديكِ زهرة؟ أيّ الأسماء تفضّلين؟