قال : ما الحبّ؟
أرجوكِ أجيبي بلا أعذار
قالت : نسماتٌ تزورُ ليالٍ
فتشعلُ عتمتها
بنور نهار
قال : أظنّ الحبّ لقاءٌ
هذا ما حملته من قِدمٍ
جُعبُ الأخبار
قالت : فراقٌ هو الحبّ
مادام إلا بدموعٍ تنزف كالأنهار
تململَ من بوحِ الألمِ
وتناثر فوق خدود هواها
كتناثر أوراق الأشجار
راحت تتأمّل قائلةً:
إن الحبّ العذري وجع حلوٌ
كرياح الشّوق حين تهبّ
فتحرق قلبا تكويه بالنّار
أكلُّ حبيبٍ يليقُ به
مشوارٌ حلوٌ فوق رمال البحر ؟
ورذاذ الموج ينطقُ حين يراه
بما يُخفيه جوى عينيه من الأسرار؟
أجميعُ من اخترنا يذوب بنا
كذوبان الشّمع يضيء لنا
كيما تطفئنا غربة أيّامٍ
عشناها كُرها في الأسفار ؟
كلّا..
ليس الحبّ عناقا
او جسدا تغمره النّشوة
حينا وتزيلها بعد هنيهاتٍ
أوهام الأفكار
كلّا..
ولا حتّى أضغاث طفولة أحلامٍ
عاشت في باطن ذكرانا
وتلاشت حين تمرّ دهورٌ
كتلاشي العتم إذا هجمت
غيماتُ الأنوار
حبّك نورٌ ومروجٌ خضرٌ
أينعَ فيها العمرُ
ومات وعاش
ألفَ حياةٍ
وبكاءٌ وباقةُ بسماتٍ
وأمانة عجزت أن تحملها جبالٌ
وعطاءٌ كعطاءِ الأمّ
ووصالٌ
وملاحمُ شعرٍ وخيالٌ
وبُعدٌ.. أبعدُ من نجمٍ
لكوكبنا
ومكوثُ عابدٍ ولهٍ
ورسومٌ نُقشت في البالِ
حبّك خوفٌ حلوٌ
ورعشةُ أوراقٍ خجلت
من مطرٍ غشّاها في الحال
حبّك عذريّ
كأنّك قدّيسٌ أنت
تعكسُ رحمةَ ربٍّ
نشتاق إليه
فلنمس أطراف أصابعك
وصلا… ووصالا
كنّا قبلك نعدوهُ حلما
نعدوه مُحال
الحبّ العذري صمتٌ
كلِمٌ قدسيٌّ
لا تلفظه شفاهٌ ..
وجوابٌ وحده
يكفي وحده
ألف سؤال
ومضت بعد البوح
في الأفق عجبا
قال : عجبا..
من أنتِ ؟
أمن الجنّ تكونين
أم إنسيّةٌ ولم الترحال؟
أجابت بطرفٍ مكسورٍ
ورموشٍ بلّلها الدّمعُ
: فراقٌ
وهذا القدر قد رُسِمَ
لوحٌ محفوظٌ بالقلمِ
أنّ الحبّ العذريّ
أعظم حبّ
لكنّه بالقهرِ كُتب
والحبرَ أزال
مهلًا .. يا قرّة أعيننا
أغمرُ حضنا
ألثمُ وردًا
يكفيني اليوم
والدّهر أيامُ طوال ..
لمعتْ
كالبدرِ بفرحتها
وشممتُ روائحَ باقتها
عطورٌ نزفتها حلاوتها
فشربتُ بكأسِ قداستها
وحين عجزت عيني
أن تلمح شعورًا غطّتها
أن تلمسَ يدا
قد مدّتها
أن تشهدَ مرآها
أو تسمعَ تعويذتها
عرفتُ أنها بقيت
في الصّدر
وشما نقشتْهُ عذوبتها
حبّا عذريا
كما قالت …
تُشعلُ عتمتها نورَ نهار
لقاءٌ محفوفٌ بالأخطار
فراقٌ هو الحبّ
مادام إلا بدموعٍ تنزف كالأنهار