الدّين بين التّسييس والإلهام (رؤية)
منذ وُجدت البشريّة، وُجد الدّين، ملازما فطرة الإنسان في التّوجّه لخالق،والبحث عنه، للشّعور بالأمان.
تضرّع النّاس لمظاهر الطّبيعة، طلبا لهذا الأمان، ولتلك الرّاحة النّفسيّة المنشودة أبدا.
عندما عبد الإنسانُ مظاهر الطّبيعة، كانت عبادته، على أنواع، تمامًا كما نحن اليوم، عبادةً سطحيّةً خارج الوعي، وعبادة أخرى عميقة موصِلة للمعرفة والحكمة.
وأضاف القرآن كآخر كتاب سماوي،توقعات ومعاجز وألغاز، تكرّسها تفسيرات عديدة، بمستويات متفاوتة بين الظاهر والباطن.
ومنذ القدم، ظهرت الفرق، والملل، وتشعبت وتعاركت، ثم تلاقت، واختلفت من جديد في صراعات دامية لم تنتهِ، بل وصلت اليوم لأوجها.
فأين رحمة الدين من كل هذه الاقتتالات الدّموية؟ وأين اختفت تلك الحكمة، وكيف انطفأت نار المعرفة في عقول وبصائر الناس وما زالوا يدّعون بالدّين؟ سؤال يطرحه الجميع.
الدّين والسياسة :
هو جدل بيزنطي، يخلُص فيه البعض إلى ضرورة الفصل بينهما،وفريق آخر يميل لجمعهما، ومهما كانت الآراء، فإنّ الحقيقة والواقع يشيران إلى أن الدين لم ينفصل عن السياسة ولا مرة، إلا في الدول الغربية، التي أخذت على نفسها عهدا،بالحضارة، ولولا هذا الفصل لما تذوقت طعمها ولبقيت مثلنا في الشرق غارقة في بحور الجهل.
أخذ الغرب علوم ابن سينا، والفارابي وابن رشد… وآلاف من الأسماء يعجّ بها التاريخ، ووضعوا الدين جانبا، فليدين كل امرء بما يريد، وطوروا علوم العرب واليونان ليصلوا إلى ما نراه اليوم.
أما الشرق التعيس فقد تخبّط تماما في حروب دينية، وخلط الدين وتعاليمه،بالدولة، فظهرت إبداعات جديدة، من اختلاق الناس، شوّهت منابع الحكمة أيما تشويه، وأفرزت أجيالا عقيمة الحضارة، عقيمة التطور، تتحكم فيها عصبيات وعقائد ، وأوهاما دينية، اخترعها العلماء الذين لم يقربوا العلم، أما العلم الحقيقي، جوهر الحكمة، المكنون في التوراة، والإنجيل والقرآن، وفي تعاليم بوذا، وفي سطور الحكماء الربّانيين والأئمة المقدسين، هذا العلم اختفى تماما كما تختفي الجواهر في قعر المحيطات.
فما نراه اليوم ليس إلا أصدافا خاوية، رست على شواطئنا، يخال المرء إذا تلقفها أنه وجد كنزا، وما هي إلا بسراب.
إذا عملنا بتعاليم الأديان التي ينادي بها السياسيون، وباسمها يروّجون لمقاعدهم الثابتة أبد الدهر، الموروثة جيلا عن جيل، إذا عملوا بتلك التعاليم، لوجدتهم معك ينتظرون في طابور الخبز صباحا، وأمام المصارف ليقبضوا رواتبهم كموظفين عاديين، بل لخدمتك، تماما كما يحصل في فرنسا مثلا… ليسوا على العرش، حولهم حاشية الطبل والمزامير. لما وجدت جائعا في الشارع يستجدي، ولا عاطلا يؤم المقاهي ليل نهار، ولا مواطنين يهجرون بلادهم بحثا عن عمل كريم، ولا حقلا غير مزروع حتى ولو بيقطين، ولا دودة لم نستخدم حريرها لننسج…. وهنا نتذكر ما قاله جبران، رحمك الله يا أخي، لكم تحدثت وأسهبت…. فهل من نتيجة؟
والسياسة هي عهر حاضرنا، وتلك الحلوى السكرية التي يلهو بها أطفالٌ إما يبكون من الألم، أم من الضجر، ولا يولد الإثنان أي الألم والضجر سوى من فراغ الروح القاتل.
لم ينضج أطفال العرب بعد، ما زال الوقت مبكرا جدا، يكفي أن ينتظروا مخلصهم، فالحلوى لذيذة ولدى الحكام الكثير الكثير منها.ربما
يصدرونها من الخارج …إنها مميزة!
من مساحة وعي اخترنا لكم فيديو مرتبط
الدين والإلهام:
أما هنا فيحلو الحديث كثيرا، فتشعر أنك تنهدت من أعماقك، مناديا الله مع موسى في الوادي المقدس، متسائلا بحرية، دون أن يكفّرك أحدهم… تبني مع نوح سفينة الخلاص خشبة تلو الخشبة… تشارك عيسى الألوهة والحب والرحمة، وتفتح مع محمد مصاريع الحكمة في إشراقة ذهبية، تسحر الألباب…
ثم ترافق الخضر في رحلته الرائعة، ولا تعود إلا وقد حملت الحوت معك ولم تنسه أبدا…أبدا….
الدين روح الإلهام، وبحث المُجِدّ عن الله في نفسه، ورحلة الإنسان إلى داخل الوعي المقدس، والتحلي بالأسماء الحسنى تسعا وتسعين قمة، تليها قمة العرش…
من سعى منكم ومنّا للدرجة الثالثة حتى…وكم اسما اكتسبنا؟
الرحمن، الرحيم، الودود؟
الدين هو الإلهام والمحبة الخالصة، هو امتحان الجوارح، لتهذيب الذات، وتحطيم كل العوالق، والمساوئ، وأبسطها مما يعج به عالمنا نبذ الحكم على الآخرين، والكرم والعفة…فهل لذلك من سبيل؟
خاطرة بلون البحر
لأجل عينيكَ قلبتُ طاولة الحوار السياسية
واستحضرتُ من بلاد الشام أغنية دمشقية
وأمرتُ الفرس أن ينسجوا من لونهما القاني
لك بُسطا وسجاجيدَ بخيطانٍ رمليّة وبحريّة
ماذا يعنيني لو احتلت بلادَ الشرق مغربُها
أو انسكبت دماء الناس في لججٍ خرافية؟
وماذا يُضيرُ الكونَ لو سُبيتْ خرائطنا أو انعتقت
إذا كنّا في أسرِ عقائدنا نعيش السّجن حريّة؟
يا كل الشعوب من عرب ومن عجم…
يهود كنتم…إسلاما….مسيحية…
اغرسوا الأفراح واكسروا الأقداح…ما كانت محافلكم
سوى الإرهاب…سوى التكفير…والتبرير…قضيتنا الفلسطية…
أرض المعاد براءُ ممّا تحكون وتحبكون لها
لها مسيحها والخضرُ .. وتعاليمُ محضُ قدسيّة…
ترجمون… يا للعار… كلّ من صلّى بغير طرائقكم…
تنادون: تلك بوذية! تلك صوفية….
قطفتم الغلال قبل أن تزرعوا قمح الأرضِ لتبذروا
قصدًا …في عقول الناس أحلام عصافيرٍ طفوليّة
ما كان ربّ الدين وكّلكم مفاتيح جنّته…
أخبروني حقا….أأعطاكم للمعاد صكّ ملكيّة؟
الله حبّ والمحبوب جنّته فرحٌ ووصلُ أرواحٍ أثيرية
لأجل عينيك حملت ثقل البوح صمتا على كتفي
واستحضرت من بلاد الشام أغنية دمشقية
وقلبت طاولة الحوار رأسا على عقبٍ
وأهديتك سجادة زرقاء…بلون البحر عجمية.