حكاية ورد

قصة قصير

حلم مرعب


الوقت مغيب ، أنا وحدي على طريق بيروت..
أبحث دون وجهة عن لا شيء .. لا  شيء  أبحث عنه ، طالما أنني وجدت نفسي ، بعد ضياع دام لسنين ، سأترك نفسي للريح ، إلا أنني لست بطائر يحلق في الفضاء ، ولا سمكة تسبح في بحر ، أنا فتاة ، تجوب البلاد،  حرة ، بلا قيود ،  ولكن،  مقيدة بكل زنانين تلك الأماكن ، القوانين التي أشم رائحة شوائها الآن تخنقني ، تخبرني أنني كنت واهمة ، ما فعلته للتو ، ليس بحرية أبدا،  لقد اقحمت نفسي في زنزانة كبيرة جدا ، بلا حدود ، مرعبة ، مخيفة ، أنا وحيدة أمشي في المدينة.
زوجي الذي تركت يضحك،  أنا أسمع ضحكاته الساخرة..

(-هاهاهاهاها.. ستعودين رغما عنك..
-مستحيل!
-سنرى..)

كان محقا .. اللعنة.. ماذا سأفعل ؟ سأعود أدراجي بالتأكيد
المباني تلتهمني بشراهة مثل الجميع..
أضواء السيارات أيضا وقد حل المساء..المساء! أنا خائفة.. أبي أين أنت؟ وساام… عد أرجوك..

استفاقت فجأة..
كان حلما.. الحمدلله أنه مجرد حلم..
استوت ورد في سريرها،  ثم انزلقت تحت اللحاف غير مصدقة ، غرقت مع أفكارها في وسادتها البيضاء ، استرسلت مع رائحة عطرها في تفاصيل الحلم ، ساعدها عطرها في أن تتأكد أن ما حصل حلم فقط.
نظرات المارة على طريق بيروت كانت تقول :
تعالي لنقضي وقتا ممتعا..
كانوا يقضمون جسدها المغطى بالكامل قطعة قطعة
استطاعت روحها أن تعبر الشارع الطويل نحو المنزل الدافئ كأنها تقول :”أريد أن أعود إلى عشي الآمن وبأقصى سرعة “
كانت تجربة عصيبة.
بعد أن استعادت كل ما دار وما شعرت به في الحلم ، ارتاح قلبها قليلا ، نهضت لترى طفليها..
الحمدلله ها هما هنا..
بعد هذه التجربة الموهومة ، لا بد من فنجان قهوة محترم، فكرت وهرعت تضع الركوة النحاسية على الموقد في المطبخ.
راحت تفتل خصلة من شعرها الكستنائي المخصل بخصيلات شقراء وهي ترسم فكرة واحدة في صفحة بالها ( الأفضل أن أبقى ..)
يا لها من فكرة ساذجة ! ابتسمت.. وهي تضع القهوة ملعقة .. ملعقة..
أنا لا أفكر أصلا بالمغادرة..
هو لا يستحق مني ذلك..
وسام .. رجل شهم ، أنا أحبه ، لا أستطيع العيش من دونه..
راحت تتأمل قطرات المطر على زجاج نافذة غرفة الجلوس ، وهي تحتسي القهوة.
( لا أريد أكثر من أن يشاركني هذه الجلسة بهدوء وقد لا نتحدث معًا ، قد يجمعنا حديث العيون )
فكرة غبية جديدة! لا تنفع..
إنها عطلة قصيرة .
هذه الجلسة لن تتكرر كل يوم ، فلاستمتع بها من دون تفكير!


روتين

مساحة وعي

كانا ولدين هادئين،  غير متطلبين ، كوالدتهما..
حالما يستيقظان سيتوجهان إلى غرفة الجلوس الوحيدة التي تحوي تلفازا ، يستطيعان من خلاله أن يلعبا لعبتهما المفضلة ، كانت بالنسبة لهما أجمل تسلية ، بينما كانت ورد تعتبرها روتينا مملا جدا!
فارق هواية أم سن ، أم جيل ! لا أحد يعلم كيف يفكر الأطفال..
(أنا أتحامل عليه بعض الشيء، وسام رجل لا يتكرر..
هذا الحلم .. كان كابوسا حقيقيا، ما كنت لأحلم بذلك لولا أنني أشعر بقهر كبير.. من شيء ما .. سكتٌّ عنه طويلا..)

(-صباح الخير ماما ، كيف حالك؟
-أنا بخير وانت؟
-بأفضل حال.)

كانت تلك المراسلة الهاتفية روتينا إضافيا ، لكنه يحمل عرفانا للأمومة ، أن تحملك امرأة في رحمها  تسعة أشهر ، لم ترضعك من ثديها بالضرورة لسبب خارج عن إرادتها،  لكنها كانت سببا في وجودك، تقوم بتحميمك ، إلباسك، تسريح شعرك ، تحضير الطعام،  ومهمات عديدة،  كل ذلك كفيل بأن يجعل تلك المحادثة من أساسيات الحياة،  وعرفانا للجميل.

ولأنها كانت تعرف أن مكوثها في المطبخ سيطول مهما جاهدت ، أسرعت ورد  ترتب الأسرة،  بعد أن احتل كل من جاد وفارس مقعده الاعتيادي  للبدء بجولة جديدة في حرب الألعاب!
كانت الحرب الدائرة في وجدان والدتيهما أعنف بكثير .
من كان ليدرك ذلك ؟
ربما الجميع أدرك ذلك في الآونة الأخيرة ..
فقد ضجت لوحاتها بألوان غاضبة ، وخطوط جريئة ، لم تظهر في أعمالها السابقة،  حتى الفتيات ظهرن في تلك اللوحات متحررات تماما من قيد الجسد ، وكأن الروح تصرخ من كل رسم ، وتقول :
أنا هنا.
أنا امرأة.
أنا أحبّ.
أنا أشعر.
أنا أرفض.
أنا أندم.
أنا أتألم.
أنا أحارب.
أنا أغرق.
أنا أؤمن.
أنا أكفر.
أنا …وأنا..وأنا..
تلك الأنا التي غابت لسنوات في ورود زينت بها ورد معظم لوحاتها،  فكانت ورداتها لطيفة،  ذات ألوان بنفسجية ، وردية ، زاهية ، تشرق عليها شمس الرضى والقناعة ، بألوان زيتية دافئة ، مشرقة.
لوحات اليوم ، غير لوحات الأمس.
كيف حصل ذلك ؟

العائلة

وسام

سأل وسام نفسه طويلا ..
متى حصل ذلك ؟
كيف تغيرت ورد لتلك الدرجة؟
لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن هذه المرأة التي رآها وأعجبته ذات يوم ، كانت متمردة للحد الذي يراه اليوم ، بل أكثر،  لكنها كانت تواري ذلك التمرد بلحن الحب الذي كانت تغزله بصنارتها،  خيطا ، خيطا ، بصبر طويل ، هو ، لم يعرف أبدا سببه..
لمَ قد تقبل فتاة  ذات جمال وعلم وثقافة ، بظروف قاسية كظروفه ، لم تتركه يوم تخاصما بشدة،  حينما كرهت وجهه وتفاصيله،  عندما قال بالفم الملآن ( أنا هكذا ، وسأبقى هكذا )…
راهنت وقتها أن تغير ملامحي الداخلية …
وقد فعلت و نجحت ، بصنارتها القاسية ، وريشتها الناعمة ، غزلتني على أوتارها، ثم لونتني بريشتها بالألوان التي تحب.
راهنت على ضعفي بقوتها! فنجحت..
راهنت على تخلفي وانهزامي بطموحها المتدفق فوُفّقت..
هي كما اعتقدتها قوية جدا ..
بل أكثر بكثير  مما ظننت..
لقد كنت محقا في ما اخترت..الآن تأكدت ..
كما كانت محقة في أنها اختارت رجلا سيعشقها لحد الجنون ولن يخون..
بينما هي ، ستتمكن من أن لا تقع في شراك حبه أبدا.. إلا في سويعات قليلة ، حينما يعجبها ذلك الحب معه  ، حين تكتمل صورته التي نحتتها في خيالها بعناية.
كان يفكر وسام بكل ذلك ، وهو يوضب عدة العمل، ليعود إلى منزله الآمن ، الدافئ، المرتب كالعادة، حيث تفوح منه  رائحة طعام شهية دوما ومهما كانت الظروف.
(أتمنى أن تكون اليوم في مزاج جيد ،  ليس لأجلي ، لأجلها فقط ،حزني لا قرار له ولا حد ، أنا مقصر في حق تلك الفتاة ، تلك الزوجة ، تلك الأم ، ولكنني رغم كل قهري وحزني وقهرهاوحزنها ، لن أتركها ترحل ، حلم البارحة إنذار خطير ، واخبارها لي  إياه تهديد مبطن ، هي لن ترحل ، أنا أعرف أنها لا تستطيع،  لكن مجرد أنها تريد ذلك يقتلني، يا رب ساعدني، سامحني،  تعلمت مؤخرا أن أحلم وأحب ، فأعطني ما أسعد به عائلتي الحزينة.)

مذكرات ورد

مذكرات

قبل أن تباشر ورد بتحضير فكرة جديدة للوحة القادمة، فتحت دفتر مذكراتها وراحت تدون:

عندما تزوجنا ، أبديت له اهتماما مبالغا، كنت أراه كل شيء، رغم أنه لم يقدم لي الكثير .
أتعرفين السبب يا ورد؟
نعم، لأنك تعلمت أن الرضى بالقليل إيمان ، والقناعة كنز وسبيل تطهير للذات الجشعة، إن قهري لأهوائي ورغباتي سيمكنني من أن أعرف ذاتي أكثر .
بهذه العقلية وافقت أن نخطب أنا ووسام،  لذا قضينا فترة الخطوبة ، قابعين في المنزل،  لا نخرج إلا إذا تكرم علينا قريب أو صديق ، بدعوتنا لرفقته في مشوار بعيد..
لكن.. ومع كل ذلك الرضى الذي كان يكتنفني، كنت أريد من وسام أن يغير شيئا ما فيّ ، أن يغير شيئا ما فيه.
لم أطلب منه في البداية أن تكون لدينا سيارة.
لكن هو لم يسع .
وعندما لم أشعر بالسعادة ، بالحرية،  طلبت .
كان بإمكانه أن يجنبني عناء الطلب.
لكن هو لم يسع.
وافقت دون شروط أن نكمل الحياة معا.
لكنه لم يعبّد الطريق بورود تجمل ذلك الطريق ، ولم يرش اسفلت الأيام بماء رقيق يرطب جفاف تلك الأيام .. فبدت أوقاتنا ثقيلة..
فتغير الرضى إلى نكران،  والأمان إلى خطر يدهمني وينهش روحي المتعبة ، فقد وافقت أنا منذ البداية على طبيعة حياته،  لكن اللاوعي لدي كان يجنح نحو رجل يهزني من الداخل،  يكسر الجمود الذي يعتريني، يحرك حب الحياة الخامد في قرارتي، يشعل الوقود النائم في سريرتي،  يكافئ القناعة المخبوءة في كل تفاصيلي.

لم يكن المشوار يا وسام هو الذي يهمني وقتها.
أقسم لك.
أنا شبعت نزهات في طفولتي،  لكن هذا الوضع ، ذلك الذي نحن فيه ، حطم شيئا كبيرا في داخلي نحوك ، لم يجعل بذرة الحب المحتملة أن تنمو،  والتي سقيتُها  باهتمامي المبالغ ، لم يجعلها تنمو بشكل طبيعي، فقد أنتجت حبا معوقا ، يدعى الإخلاص ، المودة ، الرحمة… أما الحب الذي كنت أتوقه كان مختلفا.. الحب الحقيقي جارف كالنهر.. وما أحسسته بحضورك كان للأسف جريان ماء في بركة آسنة.

أجاب وسام ، وكأن المذكرات قد نطقت عشية يوم مجنون اكتمل بدره:

(- ما الذي يجعلك تنكئين جرحا من رحم الماضي الدفين؟
أنت تقتلينني بلا سكين.
ردت:

وقد ذبحتني من قبل ، ألف مرة، لم أكن هرة عمياء ، ولا بلهاء ، جعلتك خامة لوحة حياتي بالكامل،  وأشبعت ريشتي من نسيجك، صرخت كثيرا في وجهك وبكيت،  لكن خطئي الوحيد أنني لم أرحل.
لو هددت بالرحيل يومها وأصررت ، لغيرت في ساعة ما غيرته فيك حتى الآن عبر  عشرين عام من الآلام .  يا لطول أناتي،  تبا لها كم هي غبية!)

( إن الذين ينوون الرحيل يا عزيزتي ورد هم الذين يدركون أنهم عائدون إلى حضنهم الأول الدافئ! أما وقد خرجت يا ورد من منزل سُرقت وسائده الناعمة ، وتبخرت أسرته الحنون ، فأنت تعلمين أنه لن يمكنك أن تتركي حضنا وُهبته  وتختارين  بدلا منه فراغا موجعا)

(-أنت يا وسام أيضا تدرك تماما هذه الحقيقة ، لأنك وبرغم عقلك المتحجر إذاك رقيق كقطرة ماء ، نقي كحبة ثلج انهمرت من عين غزال ، فتضوع مسكها حتى سكّن أعواما من الألم كانت تجتاحني ، كنت أنتظر معك قبلة لم ترتسم على خدي ،أو فوق جبيني، كنت أشتهي تفاحك الذي تفتح في رعشة شبابي البكر ، وألتمس موعدا معك يجيب فضولي وأسئلتي التي لا حد لها ولا عد .. أفيحلم من  كان مثلي ،  بأن يضرب موعدا خرافيا تحت ظل قمر ؟ أو تحت سقف عرائش غابة مسحورة بقصص الجنيات الرائعات؟ لقد كانت أحلامي أقل عددا من أصابع يدي بكثير ، وسقفي قرميدك الأحمر ذاك المشتعل بجنون الرغبة ، وهدوء الجيل الغابر)

معهد الرسم


ورد

تعلم ورد الرسم في معهد مختلط للإناث والذكور، كانت لطلابها صديقة حقيقية تشاركهم هواجس الشباب،  وطموحاتهم ، كأنها تعيش معهم ما فاتها أن تحياه في زمانها ، عندما كانت في مثل سنهم ، فشاء القدر أن يعوض لها تلك الخسارة،  منذ بدأت مهنة التدريس،  وبعدما استمرت فيه لعشرة أعوام حتى الآن .
كلما استلمت صفا جديدا  وطلابا جدد  كانت تبدأ  رحلة أخرى في عالم التعليم وبناء الذات ، فكانت مهمتها أن تمكّن محبي فن الرسم من تلك الهواية وتصقلها مع التجربة لتصبح مع الوقت مهارة، تلك المهارة التي  اذا ما التقت مع الإبداع ستخلق فنانة أو فنانا تشكيليا جديدا،  وهذا قلّما يحصل،  لأن الإبداع  نادر كالالماس، فحمة سوداء مكنونة  ، تنتظر من يزيل عنها حجب الغيب،  لتظهر الأسرار المخزونة فيها.

(-كيف أستطيع أن أتجاوز عملية نسخ المشاهد كما أراها وأرسمها غيبا ؟
سألها أحد طلابها يوما.
-عندما تستطيع أن ترسم حلمك،  بوضوح،  في رأسك سيتحقق يوما ما دون شك.
وكذلك الرسم،  عندما تستطيع أن تطبع المشهد بكل تفاصيله في وجدانك،  وتخلق معه حالة شعورية واضحة ، هادئة ، عميقة جارفة ، سيتحرك المشهد في داخلك ، ككائن حي ، وستطبعه أنامالك بكل براعة ، بل سيغدو كائنا حيا!)

كانت ورد تلمس قلوب طلابها بكلامها ، وكأنها تقول ما يشعرون به ، ويعجزون عن وصفه ، فأصبح تعليمها لهم في المعهد جزءا أساسيا من حياتها،  وركنا دافئا لروحها التي تهوى من يفهمها ويقدر موهبة عطائها.
كانت تعمل بحب وضمير،  وكانت مهنة التدريس تؤمن لها ما بخلت عليه الحياة ، فقد كان عمل وسام في معمل الحجر لا يؤمن سوى قوت اليوم بالكاد، بينما عليها هي مساعدته في سد ما تبقى من ثغرات. 
لذا كانت تعيش مع أسرتها بسعادة وقناعة على قدر ما وهبها إياه القدر .
هذا القدر لم يبخل عليها بالارتياح من عبء تدريس طفليها ، وقد بدا منذ البداية أن وسام الذي ترك المدرسة باكرا ، غير ملم بتلك المهمة ، لا من قريب أو بعيد ، لا لمقدرة  يمتلكها ولا لرغبة تعتريه ، فقد عفا الإثنتين، نعم ، كانا طفلين ذكيين لحسن حظها ، يدرسان بسرعة ، ودون عناء .
مما أتاح لورد فرصة أن تتفرغ جيدا بعد عودتها من المعهد ، لمهمة الطبخ من جهة والعناية بالمنزل من جهة ثانية   مع ممارسة هواياتي الرسم والكتابة، فقد بدأت ترسم لوحاتها الخاصة منذ مدة ليست بطويلة،  كما بدأت تدون مذكراتها بجدية.
تعرفت في هذا الوقت على أصدقاء جدد ، ساعدوها كثيرا على المضي قدما في تحقيق أحلامها   وهي التي دفنت أحلامها منذ زمن بعيد.

“من السيء أن يحيا المرء دونما أحلام
ولو كانت مجرد أوهام
من السيء أن يحيا المرء دونما حب
ولو كان المرء مرهونا
فالسجن لا يشمل الروح ولا القلب
ما معنى أن تعيش مدفونا أو غارقا في جب؟”


الجيومتري المقدس

العصر الذهبي!

الجميع في ذلك الزمن بدا  متربصًا لأفكار  فرضت وجودها في وقت ساد فيه الوعي ، هو عصر ذهبي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، التقليديون اعتبروا هذه الأفكار وتلك النفحات الطاقية القوية الواعية بدعة ( الحبّ الشامل .. الطاقة الكونية .. وحدة الوجود .. حقيقة الإنسان.. مصيره .. العدل الإلهي وغيرها الكثير  من المفاهيم ) وكأنها ليست بأسئلة فلسفية عمرها عمر الإنسان! والأقبح من التربص ذاك هو لعنة الاتهام التي لا ينجو منها إلا من أدار ظهره للكلام الجارح المسموم ، وتمسك بإيمانه بذاته ، تمسكا قويا، فمن يريد أن يغرد خارج سربه عليه أن يمتلك فضاءه الرحب ويجيد التحليق بحرية ..
من يريد أن يهزم أوهام المجتمع عليه أن يدرك ذاته إدراكا صحيحا واضحا، وهذا لا يولد بساعة ، بل يحتاج لجهد سنوات من البحث والمعرفة والتأملات، التي ستمكنه من الوقوف على أرض صلبة ، لا تهزها العواصف.
وهذا ما حصل لورد ، ورد التي عانت أشواك عمر قاسية من التفكير المضني وتحمل اللامعقول في سبيل كسب الذات،  استطاعت أن تتسلح بتلك المعرفة المتجذرة فيها عبر التجارب الصعبة من حرق كل معتقدات أيقنت أنها بالية ، فارتسمت معالم الحقيقة وتجلياتها في وجدانها ، فأصبحت شاملة بكل ما للكلمة من معنى ، لا تخيفها تقاليد المجتمع ولا ترهبها أحكامه القاسية التعسفية.
فطالما هي تشعر بالاطمئنان،  لم القلق؟
لكن تلك الشمولية لم توقعها في أفخاخ الرغبات  ولم تخرجها عن المبادئ الصحيحة التي تربت عليها، فالحرية تحتاج إلى مسؤولية كبرى وليس كل من يعطى حرية حافظ عليها وعلى نفسه من السقوط!

flying

المستقبل

أكبر وهم يعتري الجميع
الزمن.. الوقت ..المستقبل
الحاضر هو ما مضى منك
المستقبل هو ما أنت عليه الآن
أرأيت كم أنت موهوما؟

(ألا تبا يا ورد من لحظة تقولين فيها : لم فعلت ذاك؟
لا تندمي يا صغيرتي..
ما حصل كان لا بد أن يحصل..
المهم الآن .. أنكِ تعلمتِ كيف تعيشين الآن .. بهدوء..
تماما كما كنت.. وأنتِ.. وما زلتِ .. فراشة سعيدة.)

هكذا تحاور ورد نفسها.. تقول لها.. حبيبتي.. عزيزتي.. صغيرتي..
أيها القارئ لا تنتظر أبا ، كن أنت الأب لنفسك..
لا تنتظر أما ،كن  أنت الأم لنفسك…
كن لطيفا معها.. عاملها برفق، تعرف إليها في منعطفات الدروب،  إذا كنت قاسيا معها في تعليمها،  ستكسب كنزا حقيقيا، لا تكن ليّنا جدا في البدايات،  البدايات تحتاج إلى قسوة،  إلى قوة، كل صفعة ستغدو قبلة ، وكل دمعة بسمة،  وكل عثرة انطلاقة كبرى.
أنا ورد
رسامة، 
تعلمت،
وقعت .. غرقت.. متّ .. وولدت ..
لم أحبّ كما يجب.. وبعدها أحببت..
عانقت قدري.. أخلصت.. نجوت.. أدركت.. ثم أحببت
أخلصت..ثم أحببت..
نسيت.. ثم أحببت..
حلمت بأني مغادرة.. لكنني .. حمدا لله .. عدت ..
أيها القارئ عد والمس ما بيدك، تحسسه جيدا،  إنه الحقيقة ، إنه أنت..
إذا حلقت ، بعيدا،  ثم أحببت ، عد إلى السرب..

السرب ليس كالقطيع
السرب جنح
والجناح كالحلم البديع
ليس الحب للجميع
الحب لمن يستطيع
وقلّ من يستطيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *