سندريلا شعر خواطر ديوان مساحة وعي

سينما الزمن البعيد سندريلا بقلم الروائي عبد الحليم حمود

قصة قصير

 السينما ونجوم الحيّ

جاء أحد الأصدقاء بالخبر العاجل إنهم يصوّرون فيلماً في سوق الخضار. لم نصدّق الخبر واتجهنا جميعاً نحو السّوق لمراقبة هذا الحدث الدّخيل والمبهر في آن.

وقفنا في النّاحية الثّانية نراقب المخرج الّذي أعطى إشارته ولا أظنّ أنّه عربيّ، فمشى الممثّل ذو البشرة السمراء خطوات قليلة بين صناديق الخضار، ثمّ يظهر وكأنّه شاهد شيئًا فيتفاجأ ويرمي حقيبته على الأرض فتنفتح ويتبعثر ما فيها من أوراقٍ ومستنداتٍ.

المشهد تكرّر مرّاتٍ عديدةً ونحن لم نقتنع بهذا الفيلم حيث ظننّا أنّ الفيلم يُصَوَّر مرّةً واحدةً ولم نكن نفقه لعبة المونتاج والتّصوير الّذي قد يمتد لأشهر.

في منطقتنا ثمة تماس مع التّمثيل من أبواب مواربة، فها هو جارنا أبو نبيل يظهر في فيلمٍ شهيرٍ من بطولة جورجينا رزق، وهو يتعارك مع شخصٍ آخر في الطّائرة. دورٌ صغيرٌ لكنّه بالنّسبة لمنطقتنا خرق عظيم ليوميّاتنا المهمّشة.

أمّا جارنا محمّد الشّامي فقد مثّل في فيلم “قفزة الموت” بدور سائق درّاجةٍ ناريّةٍ ضمن فريقٍ كبيرٍ من الدّرّاجات كأنّهم عصابة. وقد كانت درّاجته هي نفسها التي يقودها بطل الفيلم فؤاد شرف الدّين ويقفز بها القفزة التي سميَ الفيلم باسمها.

ضمن الأفلام اللّبنانية شاركت عمّتي أم فادي مع ابنها محمد في فيلم ظهرا فيه لثوانٍ معدودات وكانا يخرجان من سلّم الطّائرة أو يمشيان في المطار. محمد كان صديقنا وهذا الدّور يعزّز حضوره ويرفع أسهمه بين الرّفاق.

“خطوةً بخطوة” عنوان فيلمٍ وثائقيٍّ من توقيع المخرجة رندا الشّهّال، حمله أخي شوقي ورفاقه إلى بلدٍ أفريقيٍّ كي يتمّ تسويقه هناك وعرضه للجالية اللّبنانيّة التّوّاقة إلى أيّ مشهدٍ يذكّرهم بلبنان الحبيب الّذي صار مرتعًا للحروب.

المفارقة أنّ شوقي والرّفاق لم يشاهدوا الفيلم بل حملوه دون تدقيق يذكر، وبعد لقاء السّفير اللبّنانيّ هناك تمّ عرض الفيلم مباشرةً نظرًا لضيق الوقت.

الفيلم كان عبارةً عن شهاداتٍ ويوميّاتٍ من الواقع العسكريّ والشّعبيّ، تخلّله كلامٌ لمسؤولين عسكريين لبنانيين وفلسطينيين، فيه تحدٍّ وتهديدٍ ميليشياوي وتبجّحٍ استعلائي يتنافى كلّيًّا مع ما يودّه السّفير وأبناء الجالية.

مع كلّ كلمةٍ كانت تقال في الفيلم كانت أصوات الاعتراض والامتعاض تظهر في الصّالة وما إن أضيئت الأنوار حتّى تبيّن أنّ أخي ورفاقه قد غادروا المكان نحو الفندق، لكنّهم لم يسلموا من غضب السّفير الّذي صار منصبه على المحكّ.

انصار كل الحكاية عبد الحليم حمود


علاقتنا بالأفلام ارتبطت بسينما سندريلا في أوّل بئر العبد ومثلها كانت هناك سينمات عديدة في الضّاحية مثل سينما راديو في برج البراجنة وسينما لبنان في الشّياح على خطّ صيدا القديمة.

في شارع مارون مسك، وقبيل اندلاع الحرب اللّبنانية، قام الشّابّ علي ياسين بتحويل دكّان العائلة الّذي تباع فيه المعلّبات والزّيوت والسّكاكر، إلى صالة عرضٍ سينمائيةٍّ مصغّرةٍ، يقصدها فتية الحيّ لمشاهدة الأفلام بعد أن يعتم المكان.

أيضًا، العجب كلّ العجب يكمن في السّينما الّتي ابتدعها الخضرجي الشّهير الذي يسمّى السيّد، وكانت متاحةً فقط في الأعياد.

صالة السّيّد عبارة عن خيمةٍ من التّنك يتخلّلها حجارة وُضِعَت عليها ألواح من خشب البوندي المخصّص للبناء، والأرض ترابية حكماً، فالمكان هو ملعب نادي النّصر الذي سيعود إلى رياضييه بعد العيد وورشة التّفكيك للصّالة والأراجيح.

بالنّسبة لشاشة سينما السيّد فهي تقريبًا بمساحة متر ونصف المتر عرضًا ومتر وعشرين سنتم طولاً، كنت أظنّ أنّها تلفزيونٌ كبيرٌ والأرجح أنّها آلة سلايد مخصّصة للهواة، تشبه تلك التي يملكها خالي كمال.
الفيلم الذي قدّمه الخضرجي كان اللّصّ المزيّف لدريد لحام، نجمنا الذي نفضّل مشاهدته في دور غوّار الطوشة، وينخفض تفاعلنا معه حين يرتدي بزّةً وربطة عنق.

حين دخل الفيديو بيوتنا، توقف السيّد عن تكرار فعلته التي جعلتنا نستمتع بأفلامٍ لها عبق التّراب ورائحة خشب البوندي.

   سينما سندريلا

فتيان كنّا، نقطع الشياح نحو بئر العبد حيث سينما سندريلا الّتي كانت تعرض ثلاثة أفلام يومياً، أحدها عربيّ، والثّاني كاراتيه، والثّالث أميركي له قصّة يتخللها لقطات مثيرة.

المقاعد منتّفة تنتيفاً مبرحاً وآلة العرض خربة خرفة فتجمد الصورة ويتعالى الصّراخ من كلّ الحضور: “صووووووورة”، وكأنّ أصواتنا قادرة على إصلاح البكرة الّتي تلفت من كثرة ما عرضت وعادت.

أحيانًا كنّا نصعد من السينما القابعة تحت الأرض لنجد أنّ المنطقة فارغة كليًّا من المارّة. لا بشر، لا قطط، لا سيّارات !!

كنّا نستفهم مِن قاطع التّذاكر، والإجابة واضحةٌ: اشتباكاتٌ وقذائف وقنصٌ مستجدّ!

كيف نصل إلى بيوتنا؟ هذا هو الفيلم الحقيقيّ الّذي لم نحتج قطع تذاكر له.

مع ذلك كان الأخطر تحويل صالات السّينما إلى صناديق بريد، فكانت مصدرًا للهلع بذاتها، كمكانٍ محتشدٍ ومغلقٍ.
في العام 1969 قوبل فيلم “تشي” بردّة فعلٍ شاجبةٍ، كون الفيلم من تمويل السي أي إي، وهدفه تشويه صورة غيفارا وشيطنته، فقد تبنّت الحركة الثورية الإشتراكية اللّبنانيّة وَضْعَ عبوّةٍ موقوتةٍ في سينما الكابيتول لكنّها لم تنفجر وتمّ وقف عرض الفيلم بعد الحادثة.  كان عمر الشّريف بطل العمل، وهو مجسّد شخصية غيفارا.
قبلها بعامٍ، قوبل عرض فيلم أميركي من بطولة جون واين في صالات السّينما بموجة استنكارٍ ومقاطعةٍ وتظاهرات في بيروت كون الفيلم يعادي الحركات التّحرّريّة ويشوّه نضالات الشّعب الفيتنامي ضدّ الاحتلال الأميركي.

تمّ سحب الفيلم من الصّالات اللّبنانيّة بعد أيّام على بدء العرض نتيجة للمقاطعة والاحتجاجات.

بأحداث كهذه كانت يومياتنا أكثر سينمائية من تلك الأفلام التي نشاهدها.

  حين دخل الفيديو إلى منزلنا

في منطقتنا تبدأ الكثير من الأفكار والتّصرّفات الفنتازيّة من بيت خالي فؤاد، فهو أوّل من عرّفنا إلى التّلفزيون في السّيّارة أواسط الثّمانينيّات، وهي اليوم فكرة ليست عادية.

في مرّة جاء الخال فؤاد بديك حبش إلى البيت فخاف منه الجميع لضخامة حجمه الذي ينافس النّعامة حجمًا وشكلاً. في بيته في قرية المجادل اقتنى الخال حصانًا. وابنه علي قبض على باشق وربّاه طويلًا حتّى هرب في الشّيّاح ورحنا نلاحقه من سطحٍ إلى سطحٍ.

دخل التّلفزيون الملونّ إلى حيّنا عبر الخال فؤاد فصرنا نكثر من زيارة بيته طمعًا بمشاهدةٍ ملوّنةٍ لستيف أوستن، والمسخ العجيب، والمرأة الخارقة، وستارسكي وهاتش، أمّا المشاهدة الأسطوريّة بالألوان فكانت لغرندايزر القادم من كوكب فليد وهو يحارب على الأرض الأشرار مثل فيغا وبلاكي وغندال وزوريل.

وأذكر مرّةً أنّ شائعةً سرت بيننا نحن الأطفال بأنّ ستيف أوستن ظهر في ذات الحلقة مع غرندايزر في التّلفزيونات الملوّنة، أمّا في الأسود والأبيض فكلٌّ منهما في مسلسله على حِدة!

أيضًا تعرّفنا إلى أوّل جهاز فيديو في منزل الخال، وكان فيلم الرّسالة أوّل ما شاهدناه. أتكلّم بصيغة الجمع لأنّ هذا الفيلم عُرض في هذا الفيديو عشرات المرّات ولم نكن نملّ من رائعة المخرج مصطفى العقّاد، ومن ناحيةٍ ثانيةٍ كان هو الفيلم الوحيد المملوك للخال وليس استئجارًا كما كانت العادة.

بعد فترةٍ قصيرةٍ، دخل الفيديو منزلنا ورحنا نستأجر الأفلام بشكلٍّ دوريٍّ من محلّ قمر الدّين الّذي كان يقدّم الأفلام على أنواعها على أن يبقى الفيلم بضعة أيّامٍ بحوزتنا ثمّ نعيده ونختار أفلامًا أُخرى.

يومذاك بدأ الفيديو بحجمين، كبيرٍ وصغيرٍ إلى أن انتصر الحجم الكبير للأفلام، ثمّ انتهى عهد الفيديو كليًّا ليحلّ مكانه الدي في دي.، ثمّ منصّات مثل نتفلكس وشاهد.

من أجمل الطّرائف أنّ عامر ابن خالي الآخر كان قد اشترى أشهر فيلم هندي ألا وهو “التوأمان”، والمفارقة أنّ منزلهم ليس فيه فيديو! لهذا فهو يحمل الفيلم ويدور به، فيشاهده مرّةً عندنا ومرّةً عند الخال فؤاد أو الخال كمال، ومع عامر لا مكان للتّفاوض أو الالتزام بلائحة مواعيد، بل يطرق الباب ويتّجه نحو الفيديو فيضع الفيلم الهندي ويشرع بالمشاهدة.

حاليًّا عامر في فنزويلا وقد خصّص غرفةً كاملةً من بيته فقط للشّاشات الّتي بلغ عددها أربعًا. إن لم يكن هذا هو الانتقام فكيف يكون؟

  لا طعم يضاهي مشاهدة فيلمٍ مُستَأجرٍ وأنت تعلم أنّ أياّمه معدودة في حوزتك.

لم نكن نشبع من الأفلام الهنديّة الّتي تعتمد ذات الثيمة: ضياع الإخوة في أول الفيلم والتقاؤهم في آخره. وفي أفلام الكاراتيه ثمّة شخصٌ هزيلٌ يظهر في أوّل الفيلم ثم يتعلّم قواعد القتال عند معلّم حكيم فيفاجئ الجميع بتحوّلاته ويبهر البطلة.

جدّتي كانت مهووسة بمحمود ياسين الّذي شاهدَتْ كلّ أفلامه وإذا ظهرت معه فتاةٌ بلباس البحر كان يعلو صراخها شاتمةً شاجبةً: “شو هيدي ما عندها أهل؟!” 

أقول كلّ هذا لأعكس دور المشاهَدة في يوميّات الحرب، فالشّاشة كانت ولا تزال أفضل بائعٍ للجمال، وأحسن مصنّعٍ للأحلام. أحلامٌ لم تكن رفاهيةً ولا ترفًا عابرًا، بل ضرورةً اخترعناها لنبني عالمًا موازيًا ليوميّات الحرب ورائحة البارود والجثث.

لكن هل خلت تلك الأفلام من البارود والجثث؟

من هو عبد الحليم حمود

في مساحة وعي لقبناه بالمبدع لكنه يحمل عدة القاب عن جدارة فهو شاعر واديب روائي واعلامي ورسام ومقدم اعلامي ومسرحي يقدم فكر انيقا في كتاباته اللطيفة ويتجرأ في كلماته ليثور ضد الجهل والتطرف ويدعونا للأبداع دوما.

هو فنان وروائي واعلامي واديب لبناني المنشأ، حر المذهب يلاحق الفكر والتحرر الفكري ويقدم ابداعات في الادب وهو من أسس مركز ثقافي اسمه زمكان

يشغل منصب استاذ في كلية الاعلام في جامعة لبنان وهو ايضا عضو في اتحاد الكتاب اللبناني وقد حصل مسبقا على جائزة غاليمار للرواية العربية في الجزائر عام 2018.

وحاز على جائزة بروقلس الفلسفية عن رواية يوري اله السمكة السوداء عام 2018،كما ترأس ادارة تحرير موقع افكارتون.

في التلفزيون والاعلام عمل الروائي والاعلامي عبد الحليم حمود في المنار وام بي سي والفرات وطه والكوثر و الجزيرة الوثائقية واخيرا في الميادين. .

في الصحف والجرائد كان قد عمل في الصياد والكفاح العربي والنقاد وشوت التفاهم الرياضي والتواصل والاخبار.

في الرسم قدم عبد الحليم حمود الكاريكتور في مجلة العواصف وجريدة العهد ومجلة البلاد واخيرا في جريدة اللواء اليومية.

عا الموعد لقاء مع عبد الحليم حمود تقديم تمارا

كتاب من اصدار عبد الحليم حمود

قدم الاديب عبد الحليم حمود أكثر من مئة كتاب كان منها المجموعات الشعرية مثل كوكتيل وجاسوس اللغة وجس نبض و سرساب وقصيدة الى تشي.

روايات عبد الحليم حمود

قدم روايات كثيرة منها دفاتر نوح و بوتوكس و يوري اله السمكة السوداء، وهكذا نكون قد عرضنا معكم قصة قصيرة بعنوان سينما الزمن البعيد سندريلا بقلم الروائي عبد الحليم حمود.

مساحة وعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *